شديدة البياض ومنتفخة
http://2.bp.blogspot.com/-DQ0BPXyqemc/TiBpGz7Kb9I/AAAAAAAAASg/RaZwvVDyDus/s1600/ill_004.jpg(المشهد الأول عن واقعة حقيقية)
انظروا إليها بينما تغط في النوم، أليست ملاكًا صغيرًا؟ حسنًا، لنقل أنه ملاك نحيل أسمر ولكنه خفيف الظل.
أضمم الغطاء عليها وأقوم، لكنها تتمسك بيدي:
- أنا لسه منمتش، متسيبينيش غير لما أروح في النوم
أعود لأجلس على طرف فراشها وأحكي الحكايات، ثم أتسلل على أطراف أصابعي إلى المطبخ، أغسل الصحون وأضعها على الحوض برفق، أستشعر وقع خطوات من خلفي، أسمعها تقول:
- سيبتيني ليه يا ماما؟
أدير رأسي إليها بلمحة عابرة، تطل برأسها من خلف باب المطبخ، وتتمسك بحوافه بيديها وتؤرجحه، أقول بينما أتابع عملي:
- هخلص بسرعة وأجيلك يا حبيبتي
تقول بدلال:
- لأ، دلوقتي
أبتسم، أغسل يدي وألتفت إليها، تختبيء برأسها خلف الباب في حين لا تزال أناملها متمسكة به.. تجحظ عيني إذ تحدّق في اليدين شديدي البياض والمنتفختين، تغزو جسدي القشعريرة، إنهما ليستا يدا ابنتي.
~
ساقاي ترتعشان، رأسها مخفية، أمن الآمن أن أظل بالمطبخ؟ زوجي تأخر، آخر ما آمل فيه لحظة مواجهة. ماذا سأفعل حين تُخرِج لي رأسها، ألا يمكن أن تكون ابنتي بخطر؟ وغد لا ينفع في شيء مما ينفع فيه الأزواج! كيف سأعبر بجوار من لا أريد أن أرى وجهها.. ابنتي تصرخ، أدفع الباب وأتجه إليها في ثانية.
أقف على بابها بلا قدمين، تبادرني بصوت باكٍ:
- كابوس يا ماما! كابوس فظيع!
أتقدم إليها، أرجع فأغلق الباب وأسنده بكرسي، ثم أعود فأتقدم. أصعد إلى الفراش وآخذها بين ذراعي:
- متخافيش يا حبيبتي، ماما معاكي
يتحرك مقبض الباب ببطء، يتحرك بعنف، يرتج بشدة، يعلو بكاء ابنتي، وربما بكائي أيضًا، أصرخ:
- إبعدي من هنا.. إنتي عايزة منّا إيه؟؟؟ سيبينا..
تتوقف المحاولات، أتوقف عن البكاء وأرهف السمع، دقائق قبل أن يرتج الشبّاك، تتشبث ابنتي بي:
- أنا خايفة يا ماما
يدوي بأذني رنينًا متواصلاً من بكاء ابنتي.. لا أتمالك أعصابي، يعلو نحيبي:
- كفاية أرجوكي! عشان خاطر بنتي... إحنا معملنالكيش حاجة
تتوقف، أتطلع حولي في حذر، تصرخ ابنتي:
- الحقيني يا ماما
أرمق يدًا شديدة البياض ومنتفخة تمتد من أسفل الفراش تقبض على ساق ابنتي، أستجمع كل قوتي وألكمها لكمة عنيفة:
- متلمسيش بنتي!
تتسلل إلى أسفل الفراش، تحاوطني ابنتي بذراعيها بشدة، وتخفي وجهها بصدري، أمسد شعرها بيدي، بينما أساعدها على القيام:
- متخافيش يا حبيتي.. إحنا هنخرج من هنا
- مين قالك إننا هنخرج؟
تدفن رأسها أكثر بصدري، وتعتصر أضلعي بين ذراعيها البيضاوين الممتلئين، وبرغم الألم، أصرخ من الذهول، أدفعها عني بكل استطاعتي وأقذف بها إلى بعيد، تسقط إلى الأرض فأعبرها وأركض إلى الخارج.
أقطع السلالم للأسفل سلمتين أو ثلاثة أو كلهم دفعة واحدة.. أصطدم بأحدهم فأصرخ لكني إذ أنظر في وجهه أحمد الله أنه جاء.. أصرخ:
- مسكون! في شبح.. جنّيّة، مش عارفة! بنتنا.. البنت فوق
لا يفهم شيئًا لكنه يتركني ويركض إلى أعلى، أتبعه بحذر، يدلف إلى غرفة الطفلة خطوتين ثم يتوقف، ينظر في ذعر إلى ابنتنا الملقاة على الأرض في سكون فيما يتدفق الدم من رأسها
~
نجلس في المنزل نستقبل العزاء، لا أرغب بالكلام، أكتفي بهزة رأس على فترات متباعدة، تميل عليّ إحدى الجارات:
- كانت زي الملاك، ربنا يصبرك يا حبيبتي، لكن ماتت إزاي؟
لا أجيب، أرفع عيني إلى زوجي، يسعل قليلاً بينما يقول:
- يظهر إنها اتقلّبت وهي نايمة وقعت من على السرير..
يتدخل جار عجوز:
- دنيا عجيبة يا ولاد.. تصدّق إن كان فيه ساكن قبلكم ماتت بنته بنفس الطريقة..
يشرد ببصره:
- كانت حتة بنت! بيضا ومليانة وزي القمر..
يجتذب انتباهي كله، أنطق لأول مرة:
- اتقتلت؟
يجيب ببساطة:
- لأ، وقعت من على السرير!
أودّع المعزيين وأحزم حقائبي بينما أقول لزوجي:
- لا يمكن أعيش هنا، بيع البيت!
~
تقف الساكنة الجديدة تغسل الصحون بالمطبخ، في حين تتمسك يدا ابنتها بالباب وتخفي وجهها:
- سيبتيني ليه يا ماما؟
لا يقلقها هذا السؤال، ولكن السؤال الحقيقي: لمن هاتين اليدين السمراوين النحيلتين؟